فصل: سؤال: لم جيء في الشرط بإنْ؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} كذا قرأها بالنصب يعني مؤمني أهل الكتاب، فإنهم كانوا مع الإِيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم يقول: ادخلوا في شرائع دين محمد ولا تدعوا منها شيئًا، وحسبكم بالإِيمان بالتوراة وما فيها.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام، وابن يامين، وأسد وأسيد ابني كعب، وسعيد بن عمرو، وقيس بن زيد، كلهم من يهود قالوا: يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه، وأن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل، فنزلت.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {ادخلوا في السلم} قال: يعني أهل الكتاب، و{كافة} جميعًا.
وأخرج ابي أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلم الطاعة، وكافة يقول: جميعًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلم الإِسلام، والزلل ترك الإِسلام.
وأخرج ابن جرير عن السدي {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات} قال: فإن ضللتم من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {فاعلموا أن الله عزيز حكيم} يقول: عزيز في نقمته إذا انتقم، حكيم في أمره. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}.
قوله: {السِّلْم} قرأ هنا {السَّلْم} بالفتح نافعٌ، والكِسائيُّ، وابنُ كثيرٍ، والبَاقُونَ بالكَسْر، وأمَّا التي في الأَنْفال [آية 61] فلم يَقْرَأْها بالكَسْرِ إلاَّ أَبُو بكرٍ وحدَه، عَنْ عاصِمٍ، والتي في القِتال [آية: 35] فلم يَقْرَأْها بالكَسْرِ إلاَّ حمزةُ وأَبُو بكرٍ أيضًا، وسيأتي.
فقِيل: هَما بمعنىً، وهو الصلحُ مثل رَطْل ورِطْل وجَسْر وجِسْر وهو يُذَكَّر ويُؤَنَّث، قال تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا}، وحَكَوْا: بَنُوا فُلانٍ سِلْمٌ، وسَلْمٌ، وأصلُه من الاسْتِسْلاَمِ، وهو الانقيادُ، قال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين} [البقرة: 131] الإسلامُ: إسلامٌ الهدي، والسِّلْم على الصُّلْح، وترك الحرب راجع إلى هذا المعنى؛ لأَنَّ كُلَّ واحدٍ كَصَاحِبهِ، ويُطْلَقُ على الإِسلاَم قاله الكِسَائي وجماعةٌ؛ وأنشدوا: الوافر:
دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمَّا ** رَأيْتُهُمُ تَوَلَّوا مُدْبِرينَا

يُنْشَدُ بالكَسْرِ، وقال آخرُ في المفتُوحِ: البسيط:
شَرَائِعُ السَّلْمِ قَدْ بَانَتْ مَعَلِمُهَا ** فَما يَرَى الكُفْرَ إِلاَّ مَنْ بِه خَبَلُ

فالسِّلْمُ والسَّلْمُ في هذين البيتَيْنِ بمعنى الإِسْلاَم، إلاَّ أنَّ الفَتْحَ فيما هو بمعنى الإِسلام قليل، وقرأ الأَعْمشُ بفتح السِّين واللامِ {السَّلَم}.
وقيل: بل هما مختلفا المعنى: فبالكَسْرِ الإِسلامُ، وبالفتحِ الصلحُ.
قال أبُو عُبَيدة: وفيه ثلاثُ لُغَاتٍ: السَّلْم والسِّلْم والسُّلْم بالفَتْح والكَسْر والضمِّ.
{كافةً} مَنْصُوبٌ على الحالِ، وفي صَاحِبهَا ثلاثةُ أقوالٍ.
أظهرها: أنه الفاعلُ في {ادْخُلُوا}، والمعنَى: ادخُلُوا السِّلْم جميعًا، وهذه حالٌ تُؤَكِّدُ معنى العمومِ، فإنَّ قولَكَ: قام القومُ كافةً بمنزلةِ: قَامُوا كلُّهم.
والثاني: أنه {السِّلْمُ} قالهُ الزَّمخشريُّ، وأَبُوا البقاءِ، قال الزمخشريُّ: ويَجُوزُ أن تكونَ {كافةً} حالًا من {السِّلْمِ} لأنها تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّثُ الحَرْبُ؛ قال الشاعر: البسيط:
السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ ** والحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِها جُرَعُ

على أنَّ المؤمنينَ أُمِرُوا أَنْ يدْخُلُوا في الطاعاتِ كُلِّها، ولا يَدْخُلوا في طَاعةٍ دونَ طاعةٍ، قال أَبُوا حيَّان تَعْلِيلُه كونُ {كافةً} حالًا مِنَ {السِّلْم} بقولِه: لأَنَّها تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّثُ الحرب ليس بشيءٍ؛ لأنَّ التاءَ في {كَافَّة} ليست للتأنيثِ، وإن كان أَصْلُها أَنْ تَدُلَّ عليه، بل صار هذا نقلًا مَحْضًا إِلى مَعْنَى جميعٍ وكُلٍّ، كما صار قاطبةً وعامَّة، إذا كانَ حالًا نَقْلًا مَحْضًا.
فإذا قلت: قامَ الناسُ كَافةً، وقَاطِبةً لم يَدُلَّ شيءٌ من ذلك على التأْنِيثِ، كما لا يَدُلُّ عليه كُلّ وجميع.
والثالث: أَنْ يكونَ صاحبُ الحالِ هما جَمِيعًا: أضعْنِي فاعلَ {ادْخُلُوا} و{السِّلْم} فتكونُ حالًا مِنْ شَيْئَين.
وهذا ما أجازه ابنُ عطيةَ فإنه قال: وتَسْتَغْرقُ {كافة} حنيئذٍ المؤمِنين، وجميعَ أجزاءِ الشَّرْع، فتكونُ الحالُ مِنْ شَيْئَيْن وذلك جائِزٌ نحو قولِهِ: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [مريم: 37].
ثم قال بعد كلامٍ: وكافةً معناه جميعًا، فالمراد بالكافّةِ الجماعةُ التي تَكُفُّ مخالِفيها.
وقوله: نحو قوله: {فَأَتَّتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُه} يعني أنَّ {تَحْمِلُهُ} حالٌ مِنْ فاعِل أَتَتْ ومِنَ الهاء في {بِهِ} قال أبو حيَّان: هذا المِثَالُ ليس مُطَابِقًا لِلْحَالِ من شَيئينِ لأنَّ لفظَ {تَحْمِلُهُ} لا يحتمل شيئَيْن، ولا تقع الحالُ مِنْ شيئينِ إِلاَّ إِذَا كان اللفظُ يحتملهما، واعتبارُ ذلك بجَعْلِ ذَوِي الحالِ مُبْتدأَيْنِ، وجعل تلك الحالَ خبرًا عنهما، فمتى صَحَّ ذلك صَحَّتِ الحالُ؛ نحو قوله الطويل:
وَعُلِّقُتُ سَلْمَى وَهْيَ ذَاتُ مُوَصَّدٍ ** وَلَمْ يَبْدُ للأَتْرَابِ مِنْ ثَدْيِهَا حَجْمُ

صَغِيرَيْنِ تَرْعَى البَهْمَ يَا لَيْتَ أَنَّنَا ** إِلَى اليَوْمِ لَمْ نَكْبَرْ ولَمْ تَكْبَرِ البَهْمُ

فصغيرَين حالٌ من فاعل عُلِّقْتُ ومِنْ سَلْمَى لأنك لو قُلْت: أنا وسَلْمى صَغِيرانِ لَصَحَّ ومثلُه قولُ امرِئ القَيس: الطويل:
خَرَجْتُ بِهَا نَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا ** عَلَى أَثَرَيْنَا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ

فنْمشِي حالُ من فاعل خَرَجْتُ، ومِنْ هَا في بِهَا؛ لأنَّك لو قلتَ: أنا وهي نمشي لصَحَّ، ولذلك أَعْرَب المُعْرِبُونَ نَمْشِي حَالًا مِنْهُما، كما تَقَدَّم، وتَجُرُّ حالًا مِنْ هَا في بِهَا، فقط؛ لأنه لا يصلُحُ أن تجعل تَجُرُّ خبرًا عنهما، لو قلتَ: أنا وهي تَجرُّ لم يَصِحَّ؛ فكذلك يتقدَّر بمفردٍ وهو جارَّة وأنت لو أَخْبَرْتَ به عن اثْنين، لم يَصِحَّ؛ فكذلك تَحْمِلُهُ لا يَصْلُح أَنْ يكون خَبَرًا عن اثنين، فلا يَصِحُّ أَنْ يكونَ حالًا منهما، وأمَّا {كَافّة} فإنها بمعنى جَمِيع، وجمِيع يَصِحُّ فيها ذلك، لا يُقالُ: {كَافَّة} لا يَصحُّ وقوعُها خَبَرًا، لو قلتَ: الزَّيْدُونَ وَالْعَمْرُونَ كَافَّةً لم يجزْ، فلذلك لا تقعُ حالًا؛ لا مِنْ مانع معنوي، بدليلِ أنَّ مرادِفَها وهو جَمِيع وكُلّ يُخْبَرُ به، فالعارِضُ المانِعُ ل {كافَّة} من التصرُّفِ لا يَضُرُّ، وقولُه: الجماعةُ الَّتِي تَكُفُّ مخالِيفها يعني: أَنَّها في الأصْلِ كذلك، ثم صار اسْتِعْمالُها بمعنى جَمِيع وكُلّ.
واعْلَمْ أنَّ أَصْلَ {كافة} اسمُ فاعلٍ مِنْ كَفَّ يَكُفُّ، أي: مَنَع، ومنه كَفُّ الإِنسان؛ لأنها تَمْنَعُ ما يقتضيه، وكِفّة المِيزَانِ لجمعها الموزون، ويقالُ: كَفَفْتُ فُلاَنًا عن السُّوء، أي: منعتُه، ورجل مَكْفُوفٌ، أي: كُفَّ بَصَرُهُ مِنْ أَنْيبصر، وَالكُفَّةُ- بالضَّمِّ- لكل مستطيلٍ، وبالكَسْرِ، لكلِّ مُسْتدِير.
وقيل: {كافة} مصدرٌ كالعاقبة والعافية.
وكافة وقاطبة مِمَّا لَزم نصبُها على الحالِ، فإخراجُهما عن ذلك لَحْنٌ.
قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ} الجمهور على {زَلَلْتُمْ} بفتح العين، وأبو السَّمَّال قرأها بالكسر، فهما لغتان؛ كضلَلت، وضلِلت.
وما في {مِنْ بعدِما} مصدريَّةٌ، {مِنْ} بالبتداء الغاية، وهي متعلِّقةٌ ب {زَلَلْتُمْ}.
معنى {زَلَلْتُمْ} أي: ضللتم، وقيل: ملتم، يقال: زلَّت قدمه تزلُّ زلًا وزللًا، إذا دحضت، وأصل الزلل في القدم، واستعماله في الاعتقادات. اهـ.

.سؤال: لم جيء في الشرط بإنْ؟

الجواب: وجيء في الشرط بإنْ لندرة حصول هذا الزلل من الذين آمنوا أو لعدم رغبة المتكلم في حصوله إن كان الخطاب لمن آمن بظاهره دون قلبه. وفيه إشارة إلى أن ما خامر نفوسهم من كراهية الصلح هو زلة عظيمة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (210):

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا الختم مؤذنًا بالعذاب وكان إتيان العذاب من محل تتوقع منه الرحمة أفظع وكان أنفع الأشياء السحاب لحمله الغيث والملائكة الذين هم خير محض وكان الذين شاهدوا العذاب من السحاب الذي هو مظنة الرحمة ليكون أهول عادًا وبني إسرائيل وكان عاد قد مضوا فلا يمكن عادة سؤالهم وكان من زل بعد هذا البيان قد أشبه بني إسرائيل في هذا الحال فكان جديرًا بأن يشبههم في المآل فيما صاروا إليه من ضرب الذلة والمسكنة وحلول الغضب والوقوع في العطب قال تعالى: {هل ينظرون} أي ينتظرون إذا زلوا. سائقًا له في أسلوب الإنكار، وصيغة الغيبة مجردة عن الافتعال تنبيهًا على أن الزالين في غاية البعد عن مواطن الرأفة والاستحقاق بمظهر الكبر والنقمة بإعراض السيد عن خطابهم وإقباله من عذابهم على ما لم يكن في حسابهم {إلا أن يأتيهم الله} أي مجد الذي لا يحتمل شيء تجلى عظمته وظهور جلاله، كائنًا مجده {في ظلل من الغمام} ظلة في داخل ظلة، وهي ما يستر من الشمس فهي في غاية الإظلام والهول والمهابة لما لها من الكثافة التي تغم على الرائي ما فيها وتدمر ما أتت عليه- إلى غير ذلك من أنواع المجد الذي لا يقدره حق قدره إلا الله: {والملائكة} أي ويأتي جنده الذين لا يعصون الله ما أمرهم، هذا على قراءة الجماعة، وعلى قراءة أبي جعفر بالخفض، المعنى وظلل من الملائكة أي جماعات يملؤون الأقطار ليتبادروا إلى امتثال أوامره؛ وهل ينتظرون من القوي المحكم لما يفعل العزيز الذي يعلو أمره كل أمر إلا إتيانه بالبأس إذا غضب بعد طول الحلم وتمادي الأناة فلا يرد بأسه ولا يعارض أمره وهو المراد من قوله: {وقضي} أي والحال أنه قد قضي {الأمر} أي نفذ بإهلاكهم سريعًا فرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بأسرهم لا يملكون لأنفسهم شيئًا {وإلى الله} الذي له الإحاطة الكاملة وحده {ترجع الأمور} كلها دنيا وأخرى، فإن حكمه لا يرد وقدرته لا تحد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

حرف هل مفيد الاستفهام ومفيد التحقيق ويظهر أنه موضوع للاستفهام عن أمر يراد تحقيقه، فلذلك قال أئمة المعاني إن هل لطلب تحصيل نسبة حكمية تحصل في علم المستفهم وقال الزمخشري في (الكشاف): إن أصل هل أنها مرادفة قد في الاستفهام خاصة، يعني قد التي للتحقيق وإنما اكتسبت إفادة الاستفهام من تقدير همزة الاستفهام معها كما دل عليه ظهور الهمزة في قول زيد الخيل:
سائِلْ فوارسَ بَرْبُوع بِشِدَّتنا ** أَهَلْ رَأَوْنَا بسَفَححِ القاع ذي الأَكَم

وقال في المفصل: وعن سيبويه أن هل بمعنى قد إلاّ أنهم تركوا الألف قبلها؛ لأنها لا تقع إلاّ في الاستفهام اه. يعني أن همزة الاستفهام التزم حذفها للاستغناء عنها بملازمة هل للوقوع في الاستفهام، إذ لم يقل أحد أن هل ترد بمعنى قد مجردة عن الاستفهام فإن مواردها في كلام العرب وبالقرآن يبطل ذلك ونسب ذلك إلى الكسائي والفراء والمبرد في قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} [الإنسان: 1] ولعلهم أرادوا تفسير المعنى لا تفسير الإعراب ولا نعرف في كلام العرب اقتران هل بحرف الاستفهام إلاّ في هذا البيت ولا ينهض احتجاجهم به لإمكان تخريجه على أنه جمع بين حرفي استفهام على وجه التأكيد كما يؤكد الحرف في بعض الكلام كقول مسلم بن معبد الوالبيِّ:
فلاَ والله لاَ يُلْقَى لما بي ** ولا لِلِمَا بهم أبدًا دَواء

فجمع بين لامي جر، وأيًّا ما كان فإن هل تمحضت لإفادة الاستفهام في جميع مواقعها، وسيأتي هذا في تفسير قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} في سورة الإنسان.
والاستفهام إنكاري لا محالة بدليل الاستثناء، فالكلام خبر في صورة الاستفهام. والنظر: الانتظار والترقب يقال نظره بمعنى ترقبه، لأن الذي يترقب أحدًا يوجه نظره إلى صوبه ليرى شبحه عندما يبدو، وليس المراد هنا نفي النظر البصري أي لا ينظرون بأبصارهم في الآخرة إلاّ إتيان أمر الله والملائكة، لأن الواقع أن الأبصار تنظر غير ذلك، إلاّ أن يراد أن رؤيتهم غير ذلك كالعدم لشدة هول إتيان أمر الله، فيكون قصرًا ادعائيًا، أو تسلب أبصارهم من النظر لغير ذلك.
وهذا المركب ليس مستعملًا فيما وضع له من الإنكار بل مستعملًا إما في التهديد والوعيد وهو الظاهر الجاري على غالب الوجوه المتقدمة في الضمير، وإما في الوعد إن كان الضمير لمن يشري نفسه، وإما في القدر المشترك وهو العدة بظهور الجزاء إن كان الضمير راجعًا للفريقين، وإما في التهكم إن كان المقصود من الضمير المنافقين اليهود أو المشركين، فأما اليهود فإنهم كانوا يقولون لموسى {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة: 55]. ويجوز على هذا أن يكون خبرًا عن اليهود: أي إنهم لا يؤمنون ويدخلون في السلم حتى يروا الله تعالى في ظلل من الغمام على نحو قوله تعالى: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك} [البقرة: 145].
وأما المشركون فإنهم قد حكى الله عنهم: {وقالوا نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا إلى قوله أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا} [الإسراء: 90، 92]. اهـ.